عدد المساهمات : 297 نقاط : 5648 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 07/10/2011 العمر : 35 الموقع : سوريا حلب
موضوع: جابر عثرات الكرام الأربعاء ديسمبر 21, 2011 3:37 pm
جابر عثرات الكرام عن شيبة الدمشقي قال : كان في زمن سليمان بن عبدالملك رجل من بني أسد التي تسكن منطقة الرقه السوريه يقال له : خزيمة بن بشر ، مشهور بالمروءة والكرم والمواساة ، وكانت نعمته وافرة ، فلم يزل على تلك الحال حتى افتقر ، فأحتاج إلى إخوانه الذين كان يواسيهم ويتفضل عليهم ، فواسوه حيناً ثم ملّوه ، فلما لاح له تغيرهم ، قال لامرأته : يابنة عم ، قد رأيت من إخواني تغيراً ، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت ، ثم اغلق بابه عليه، واقام يتقوّت بما عنده حتى نفد ، وبقي حائراً في حاله .
وكان عكرمة الفياض والياً على الجزيرة الفراتيه ، فبينما هو في مجلسه وعنده جماعة من أهل البلد ، إذ جرى ذكر خزيمة فقال عكرمة : ما حاله ؟ فقالوا : صار في أسوأ الأحوال ، وقد اغلق بابه ، ولزم بيته . فقال عكرمة : فما وجد خزيمة بن بشر مواسياً ولا مكافئا ! قالوا : لا . فأمسك عن ذلك ، فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار ، ووضعها في كيس واحد ، وخرج متنكراً سراً حتى وقف بباب خزيمة وطرقه ، فخرج خزيمة ، فقال له : أصلح بهذا شأنك ، فتناوله فوجده ثقيلاً ، فقبض خزيمة على لجام الدابة ، وقال : من أنت ، جعلت فداءك ؟ قال له : ما جيئتك في هذا الوقت وأنا أريد أن تعرفني . قال خزيمة : فما اقبله أو تخبرني من أنت ؟ قال :أنا أنا أنا جابر عثرات الكرام ، ثم انصرف .
فدخل خزيمة داره وهو يتحسس الكيس والدراهم غير مصدق . ورجع عكرمة إلى منزله ، فوجد امرأته قد افتقدته وارتابت ، ولطمت خدها ، فلما رآها على تلك الحال قال لها : ما دهاك يا ابنة عم ؟ قالت : سوء فعلتك بأبنة عمك ، أمير الجزيرة لا يخرج في هدأة من الليل سراً دون غلمانه إلا إلى زوجة أو سرية ! قال : لقد علم الله ما خرجت لواحدة منها قالت : فخبرني فيم خرجت ؟ قال : يا هذه لم اخرج في هذا الوقت إلا وأنا لا أريد ألا يعلم بي أحد ، قالت : لا بد أن تعلمني قال : فاكتميه إذاً قالت : سأفعل فأخبرها بالقصة على وجهها فقالت : قد سكن قلبي .
ثم أن خزيمة اصبح ، فصالح غرمائه واصلح من حاله ، ثم تجهز قاصدا سليمان بن عبدالملك ، فلما حضره ، أستأذن عليه ، فأذن له سليمان لما يعلم من مروءته ، فأخذ سليمان يسأله عن حاله وسبب إبطاءه عنه ، فأخبره خزيمة بقصة زائر الليل فقال سليمان : هل عرفته ؟ قال : لا والله لأنه كان متنكراً ، وما سمعت منه إلا جابر عثرات الكرام فتلهف سليمان على معرفته وقال : لو عرفناه لأعنّاه على مروءته ثم قال : على بقناة ، وعقد لخزيمة ولاية الجزيرة وعلى عمل عكرمة الفياض ، واجزل عطاياه ، وأمره بالتوجه إلى الجزيرة .
فخرج خزيمة إليها ، فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلدة للقائه ، وسارا جميعاً إلى أن دخلا البلد ، فنزل خزيمة دار الإمارة ، وأمر أن يؤخذ عكرمة ويحاسب ، فحوسب ، ففضل عليه مال كثير ، فطلبه خزيمة بالمال قال عكرمة : مالي إلى شيء منه من سبيل فأمر بحبسه ، ثم بعث يطالبه فأرسل إليه : إني لست ممن يصون ماله بعرضه ، فأصنع ما شئت ، فأمر به فكبِّل بالحديد ، وضيّق عليه ، فأقام على ذلك شهراً ، فأضناه ثقل الحديد وأضر به .
وبلغ ذلك ابنة عمه ، فدعت جارية لها ذات عقل ، وقالت : امض الساعة إلى باب هذا الأمير ، فقولي عندي نصيحة ، ولا أقولها إلا للأمير نفسه ، فإذا دخلت عليه سليه في الخلوة : ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك في مكافأتك له بالضيق والحبس والحديد ! ففعلت الجارية ذلك فلما سمع خزيمة قولها قال : واسوأتاه ! جابر عثرات الكرام غريمي ! قالت : نعم ، فأمر من وقته بدابته فأسرجت ، وركب إلى وجوه أهل البلد ، فجمعهم وسار بهم إلى باب الحبس ففتح ، ودخل فرأى عكرمة الفياض في قاع الحبس متغيراً ، قد أضناه الضّر . فلما نظر عكرمة إلى خزيمة وإلى الناس احشمه ذلك ، فنكس رأسه . فأقبل خزيمة حتى انكب على رأسه فقبّله ، فرفع رأسه إليه وقال : ما أعقب هذا منك ؟ قال : كريم فعالك وسوء مكافأتي . قال : يغفر الله لنا ولك ، ثم أمر بفك قيوده ، وان توضع في رجليه ، فقال عكرمة : تريد ماذا ؟ قال : أريد أن ينالني من الضّر مثل ما نالك . فقال : اقسم عليك بالله ألا تفعل . فخرجا جميعاً إلى أن وصلا إلى دار خزيمة ، فودعه عكرمة ، وأراد الانصراف ، فلم يمكنه من ذلك ، وقال : وما تريد ؟ قال : أغير من حالك ما أراه ، ثم أمر بالحمام فأخلي ودخلا جميعاً ، ثم قام خزيمة فتولى خدمته بنفسه ، وسأله أن يسير معه إلى أمير المؤمنين ، فأنعم له بذلك .
فسارا جميعا حتى قدما على سليمان بن عبدالملك ، فراعه قدوم خزيمة بدون أمره مع قرب العهد به ، فأذن لخزيمة ، فلما دخل عليه قال له قبل أن يسلم : ما وراءك يا خزيمة ؟ قال : خير يا أمير المؤمنين ، ظفرت بجابر عثرات الكرام ، فأحببت أن أسرك لما اعلم من شوقك إلى رؤيته قال : ومن هو ؟ قال : عكرمة الفياض فأذن له بالدخول ، فدخل وسلم عليه وأدناه من مجلسه وقال : يا عكرمة ، كان خيرك له وبالاً عليك ، ثم قضى حوائجه وأمر له بعشرة آلاف دينار ، ودعا بقناة وعقد له على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان ، وقال له : أمر خزيمة بيدك ، أن شئت أبقيته وأن شئت عزلته قال : بل أرده إلى عمله يا أمير المؤمنين ثم انصرفا جميعاً ، ولم يزالا عاملين لسليمان مدة خلافته