دمشق-سانا
تتوالى الضربات الاقتصادية الموجعة على منطقة اليورو منذ سقوط اليونان في دوامة أزمة الديون السيادية أواخر عام 2009 وبالرغم من جميع المحاولات الحثيثة التي تبذلها دول المنطقة السبع عشرة لانتشال اليونان من أزمته خوفا من أن يجر باقي دول اليورو إلى المحظور إلا أن كل المؤشرات المتلاحقة تشي بنهاية وشيكة لأكبر تكتل اقتصادي في العالم.
ومع إتمام الأزمة الاقتصادية الخانقة لعامها الثاني بات القلق ملازما لقادة القارة العجوز خوفا من أن يصبحوا على خبر جديد لدخول إحدى دول اتحادهم في أتون أزمة ديون سيادية أو أن يمسوا على انخفاض جديد للتصنيف دولهم الائتماني وخاصة بعد أن تجاوزت الأزمة اقتصادات الاتحاد الصغرى لتبدأ بضرب أعمدة الاقتصاد الأوروبي الكبرى.
وفي أحدث ضربة لمنطقة اليورو خفضت وكالة موديز إنفستور سرفيسز التصنيف الائتماني للديون السيادية الإيطالية ثلاث درجات دفعة واحدة قائلة إنها تتوقع تشديد شروط الائتمان لدول منطقة اليورو ذات مستويات الديون المرتفعة حيث هبط الوضع الائتماني لإيطاليا من أيه أيه 2 إلى أيه 2 مع إبقاء الوكالة على النظرة المستقبلية السلبية للتصنيف في إشارة واضحة إلى احتمال خفض التصنيف مجددا في الفترة المقبلة.
ويعد إجراء وكالة موديز الذي جاء بعد أسبوعين فقط من خطوة مماثلة لوكالة ستاندرد أند بورز العالمية للتصنيف الائتماني أحدث تفاقم لأزمة الديون السيادية الأوروبية كما شكل ضربة موجعة للمنطقة المثقلة أصلا بالديون والمنشغلة بالحؤول دون إعلان اليونان عن إفلاسها بسبب تعثرها في سداد الديون ما حدا بالاقتصاديين للتخوف من آثار هذا القرار المدمرة وخاصة أن إيطاليا تعد ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
ووكالة موديز التي أجلت قرارها حوالي 20 يوما للنظر في الإجراءات التي أقرتها إيطاليا منتصف أيلول الماضي بشأن ميزانيتها أوضحت أنها اتخذت هذا الإجراء بسبب تزايد المخاطر على تمويل دين البلاد الهائل الذي يزيد على 9ر1 تريليون يورو حوالي 120 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي/ وارتفاع معدلات سوق السندات الايطالية إلى مستويات قياسية وتراجع ثقة المستثمرين والمخاطر السلبية المتزايدة على النمو الاقتصادي والمرتبطة بثغرات بنيوية فضلا عن الغموض الاقتصادي والسياسي الذي يكتنف عمل الحكومة الإيطالية.
وبالرغم من اقرارها في 14 ايلول الماضي خطة تقشف صارمة أملا بأن تسمح للبلاد بتحقيق التوازن المالي عام 2013 ما زالت حكومة سيلفيو برلسكوني عاجزة عن طمأنة الاسواق حيث يشكك المستثمرون في مصداقية الحكومة الإيطالية ولا سيما بعد الجدل الذي رافق عملية اقرار الخطة الأخيرة والذي كشف عن ضعف الحكومة وانقسامها.
ويتوقع المراقبون أن يصب تخفيض موديز الزيت على نار الاحتجاجات التي كانت النقابات والمعارضة الإيطالية اشعلتها في وقت مبكر من الشهر الماضي إذ أرجعت المعارضة التخفيض السابق الذي أجرته مؤسسة ستاندرز أند بورز لقرارات حكومة برلسكوني السياسية والاقتصادية وهو ما أكده بيار فرناندو كايزني أحد أعضاء جبهة المعارضة الذي قال حينها ان هناك مشكلة كبيرة في المصداقية السياسية بدت واضحة في تحليلات مؤسسات التصنيف الائتماني التي ناقشت انعدام الثقة في حكومة برلسكوني وعدم فاعلية خطتها التقشفية.
وهذه الرؤية تقاطعت إلى حد بعيد مع وجهة نظر رجال الأعمال الإيطاليين وهو ما ظهر جليا في تصريحات إيما مارتشيغاليا من رابطة الشغل الايطالية التي خيرت حكومة برلسكوني بين اتخاذ اجراءات حقيقية وقوية تبعث برسالة واضحة للأسوق خلال أسبوع على الأكثر أو إعلان الاستقالة منتقدة اجراءات التقشف التي رأت انها تخفض وتيرة النشاط الاقتصادي ما سيصعب تحقيق الأهداف التي حددتها الحكومة.
وفي محاولة يائسة منه للتخفيف من وطأة قرار وكالة موديز قال رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني ان القرار كان متوقعا معتبرا أن حكومته ملتزمة بتحقيق الأهداف المالية العامة المخطط لها بتصميم كبير بما في ذلك تحقيق اعادة التوازن الى الميزانية بحلول العام القادم.
ومن المتوقع ان تقر الحكومة الايطالية بحلول منتصف الشهر الجاري اجراءات جديدة بهدف اعادة تحريك النمو بعدما خفضت بشدة توقعاتها للنمو قبل أسبوعين غير ان ارباب العمل وقسما كبيرا من خبراء الاقتصاد يخشون ان تكون هذه الاجراءات دون المطلوب وأن تحرك المواطنين الذين هبوا احتجاجا على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة سابقا.
ويتخوف المراقبون من تعقد الأمور بشكل أكبر إثر تورط برلسكوني في فضيحة جديدة كشفت عنها مومس تدعى باتريزيا داداريو لنيابة مدينة باري جنوب البلاد معلنة أن مقاولا من المدينة ومديرا لصحيفة محلية قدما لرئيس الوزراء الإيطالي مرافقات او /اسكورت/ كما يعرفن في ايطاليا املا في الحصول على عقود مع شركات عامة ضخمة وذلك بين عامي 2008 و 2009.
وحذر بيار لويجي برساني رئيس الحزب الديموقراطي الإيطالي أكبر أحزاب المعارضة اليسارية من مستقبل بائس لبلاده بسبب سياسات حكومة برلسكوني قائلا إن تخفيض تصنيف موديز يشكل ضربة قوية واعتبر أن ايطاليا تستحق تصنيفا افضل من هذا لكن اذا لم يحصل تغيير سياسي فان الريبة قد تتسبب بانحدارها إلى القعر.
وأدى قرار موديز خفض التصنيف الائتماني لإيطاليا الى هبوط فوري في سعر صرف اليورو الذي قلص مكاسبه وهبط إلى أدنى مستوياته في تسعة أشهر منخفضا بنسبة 4ر0 بالمئة أمام الدولار و5ر0 أمام الين الياباني ويتوقع الخبراء الاقتصاديون ان يلي ذلك تخفيض التصنيف الائتماني للبنوك الايطالية ما من شأنه أن يزيد الضغوط على امكانية الاقتراض.
وفي هذا الوقت ما زالت ألمانيا تحاول بذل جهود حثيثة مع اليونان لحل أزمتها والحوءول دون احتمال تخلفها عن الوفاء بديونها وذلك من خلال إصدار سندات جديدة مشتركة لمنطقة اليورو معتبرة أن ذلك سيفتح شهية المستثمرين حيث قامت برلين بهذا التحرك عقب التحذيرات التي اطلقتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أنه في حال استمر التعثر اليوناني فإن الوضع سيكون مؤسفا في أوروبا.
إلا أن وزراء مالية مجموعة اليورو ما زالوا يؤجلون اتخاذ القرار بشأن دفع القسم الأول من حزمة الانقاذ المالي لليونان حيث تم تأجيل البت في منح اثينا قروضا جديدة بقيمة 11 مليار دولار وهو ما كان مقررا تنفيذه في 13 تشرين الجاري وذلك إثر إعلان اليونان أنها لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها المالية وأنها فشلت في تحقيق الاهداف التي التزمت بها لخفض عجز الموازنة.
وفي هذا السياق رأى رئيس البنك المركزى الاوروبى المنتهية ولايته جان كلود تريشيه امس ان البنك لا ينبغى أن يسهم في جهود تعزيز القوة المالية لصندوق انقاذ منطقة اليورو عبر عملية التسليف معتبرا أنه من الخطأ منح أموال انقاذ تتم اعادة تمويلها عبر البنك المركزى الاوروبى وهو ما يتفق معه الاقتصاديون الذين يؤكدون أن الصندوق أصغر من أن يكون قادرا على انقاذ ايطاليا أو اسبانيا اذا وقعت أى منهما في مشكلات اقتصادية.
وبين مؤيد للخطط والإجراءات الذي يتخذها القادة الاوروبيون تجنبا لحدوث الأسوأ ومعارض لها لا تزال منطقة اليورو تتلقى الصفعة تلو الأخرى في مشهد ضبابي يبدو انه لن يتكشف إلا مع تفكك الاتحاد الاوروبي وانهيار عملته الموحدة.
وفيما تحمل الأحزاب المعارضة في القارة العجوز حكوماتها مسؤولية هذا التدهور الاقتصادي والتخبط السياسي يرى العديد من علماء الاجتماع والاقتصاديين أن ما يجري هو نتيجة طبيعية ونهاية حتمية لعقد يحمل بذور انفراطه متمثلة في التباينات الجذرية بين أعضائه ثقافيا واجتماعيا وديمغرافيا واقتصاديا.