دمشق-سانا
رغم التجاهل الأوروبي للاحتجاجات الشعبية التي تشهدها اليونان منذ عدة أشهر رفضا لخطط التقشف التي أقرتها الحكومة اليونانية في محاولة لاحتواء الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد صعد اليونانيون اليوم من تحركاتهم الاحتجاجية بعد تداول وسائل الإعلام أنباء تتحدث عن احتمال تخفيض مرتبات 30 ألف موظف بنسبة 60 بالمئة تحت مسمى احتياطي عمالة وذلك وسط مخاوف كبيرة من تفاقم التداعيات الاجتماعية والاقتصادية إلى أزمة سياسية عميقة ولاسيما بعد إرجاء قرار منح هذا البلد المنتمي إلى المنظومة الأوروبية والمترنح تحت وطأة الديون الشريحة التالية من حزمة الإنقاذ.
فبعد أسبوع من الاجتماعات مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبى وصندوق النقد الدولي ووسط توقعات بأن تقوم الحكومة اليونانية بتسريح نحو 30 ألف موظف شل إضراب اليوم قطاعات واسعة في البلاد حيث تم تعطيل العمل فى خمس من الوزارات بالتزامن مع تسجيل اشتباكات بين المحتجين العاملين في القطاع العام وعناصر الشرطة الذين قاموا بتفريقهم بواسطة القنابل المسيلة للدموع في مشهد يعكس الضيق الذي يتبرم منه اليونانيون ليس فقط من سياسات حكومتهم بل أيضا الساسة الأوروبية إزاء أزمتهم الخانقة.
وتأتي هذه الاحتجاجات في ظل إصرار الحكومة اليونانية على تمسكها بالتطبيق الصارم لسياسات التقشف التي تتضمن تخفيض الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية وزيادة جديدة في الضرائب المباشرة وغير المباشرة وعمليات تسريح جماعية وذلك في وقت أكد فيه وزير المالية اليوناني ايفانجيلوس فينزيلوس أن حكومته لديها الأموال الكافية لدفع أجور الموظفين والمتقاعدين حتى منتصف تشرين الثاني المقبل فقط الأمر الذي دفع منظمو الإضراب إلى الإعلان عن عزمهم تنظيم احتجاج جديد على هذه الاجراءات في 19 من الشهر الجاري وذلك انطلاقا من قناعتهم بأن الاتحاد الأوروبي يدعي العمل على إيجاد حل لهذه الأزمة رغم أنه السبب الرئيسي في الأزمة التي كان من الممكن المساهمة في حلها إذا أفرج عن الشريحة السادسة من قروض الإنقاذ والتي تبلغ 8 مليارات يورو 7ر10 مليارات دولار في اطار حزمة انقاذ تبلغ 110 مليارات يورو.
وفي هذا الوقت يحذر المحللون من خطورة المؤشرات الجديدة التي تم الكشف عنها مؤخرا والتي تؤكد عجز اليونان عن تحقيق الخفض المستهدف في عجز الموازنة العام القادم إلى اقل من النسبة التي حددها الاتحاد الأوروبي والمقدر بـ 6ر7 في المئة وظهور توقعات بان يصل العجز إلى 5ر8 في المئة الأمر الذي أرخى بظلاله على الأسواق حول العالم.
ويرى المحللون أن الأمل بتجاوز الأزمة اليونانية ضعيف جدا ولاسيما أن الاتحاد الأوروبي يحاول التهرب من حل الأزمة وهذا ما يبرر ظهور أصوات أوروبية موءخرا تطالب بإخراج اليونان من منطقة اليورو رغم أن الاقتصاد اليوناني لا يشكل أكثر من 2 في المئة من إجمالي الناتج الأوروبي وذلك خشية انتقال العدوى إلى كافة دول الاتحاد الاوروبي نظرا للاثر الفوري على الاسواق.
وفي وقت رأى فيه محللون أن اليونان تلاعبت ببياناتها ومؤشراتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واتبعت سياسات غير تقشفية اعتبر اخرون أن الحكومة اليونانية لا تتحمل مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تمر بها لأن الاتحاد الأوروبي وافق على انضمامها إليه رغم اختلاف نظامها الاقتصادي عن عدد من النظم الاقتصادية الأوروبية الرأسمالية في حين ذهب فريق ثالث إلى أن تكلفة إخراج اليونان من منطقة اليورو اكبر من كلفة إنقاذها.
ويرى فريق من الباحثين أنه مهما كانت تطورات الأزمة اليونانية الحالية فإن المماطلة والبيروقراطية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي هي المسؤولية عن تفاقم هذه الأزمة داعين إلى إبقاء اليونان في الاتحاد الأوروبي مع إخراجها من منطقة اليورو وأن تصرف الأموال المخصصة للانقاذ على التنمية.
وبالمحصلة فإنه من الخطأ النظر إلى مشكلة أزمة الاقتصاد اليوناني بمعزل عن الأزمة البنيوية التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي الذي تغيب عنه وحدة السياسات الاقتصادية والنظم الضريبية والمصرفية الموحدة الأمر الذي يجعل أي حلول ضمن النظام الحالي للاتحاد بدون جدوى ما يستدعي استنباط نظام مالي أوروبي يراعي تغيرات النظام العالمي الجديد من اجل استمرار ما يسمى مشروع الاتحاد الأوروبي.